زمن العبابسة..!؟

Publié le par ALKHATAHMAR

 

زمن العبابسة..!؟

إذا كان زمان عباس بن فرناس قد مضى و انقضى، فإن متحف التاريخ العربي الإسلامي قد ازدان بإنجازه العظيم: محاولة التحليق و الطيران، في إحجام شجاع عن الحياة من أجل الإقبال على العلم، وفي نكران عظيم للذات من أجل ما قد ينفع اللاحقين. إنه نموذج اثر أن يخط اسمه على الصفحات المشرقة للتاريخ الحضاري للإنسان، ولو كان الثمن غاليا في قيمة الحياة..لكن لكل إنجاز عظيم مقابل.

كذلك زماننا هو الآخر لم يخلو من العبابسة، أي اللذين يحملون اسم عباس دون صفاته..! فهناك اثنين ينبغي أن نقف أمام منجزاتهما العظيمة في السلبية..! فمثلا عباس أبو مازن وعباسياته: شجب للمقاومة على طول الخط الممتد من سنوات الحصار الطويلة إلى المجازر والمحارق والمذابح اليومية التي تشهدها غزة، هذا العباس الفلسطيني عرف بمقبوليته لدى الطرف الأمريكي والصهيوني والأوربي والعربي لمواقفه المعتدلة جدا إلى حدود الإمعة: الاعتراف بإسرائيل، قبول مبادرات ليست في صالح الشعب الفلسطيني، القبول بمفاوضات مباشرة مع الصهاينة من أجل عقد السلام، وإن كان وجود "إسرائيل" في حد ذاته على أرض فلسطين، هو عدوان..! عباس أبو مازن لم يتوان في إقالة الحكومة المنتخبة شرعيا، بشرعية معترف بها دوليا، إلا لأنها قالت: اللهم إن هذا منكر، الحصار و التجويع والظلام و التقتيل بانتقاء واحتراف..! زيادة على الفساد المالي و الأخلاقي و السياسي الموثق، والذي اضطرت حكومة إسماعيل هنية إلى إشهاره في وجه العالم، علامة على شرعيتها و مواطنة الحكومة المقالة.

ولم يتوقف عباس أبو مازن عن شجب وانتقاد المقاومة رغم أنه لا أحد من الغزاويين الصامدين، قال ولو كلمة ضد المقاومة مع توفر كل وسائل الإعلام هناك..! كان حريا بأبي مازن أن يقيل نفسه من السلطة بدل إقالة القيادة الشرعية التي تقدم أرواحها ونساءها وأطفالها وشيوخها ودماءها، دفاعا و فداء وإنتاجا لعزة وكرامة الأمة. ولكنه ظل يزاول مهامه كرئيس سلطة، رغم انتهاء ولايته، بل رغم معارضة الكثير من الفتحاويين الأحرار و الأسرى، والموجودين كتفا إلى كتف مع كتائب المقاومة وحماس..!ويزاول مهمة التقبيل والتغزل والتقرب إلى القتلة والمجرمين والمتواطئين معهم..

المغرب هو الأخر كان له حظه الوافر من العبابسة، حيث تولى عباس الفاسي قيادة الحكومة، بعدما استولى على أغلبية أصوات الأقلية الناخبة، بطرق ملتوية يعرفها كل من صوت لصالحهم،و لا يجهلها من لم يصوت لهم..عباس المغرب هو رجل ذائع الصيت، ارتبط اسمه بأسوأ الكوارث الاجتماعية في البلاد: فهو رجل النجاة..!! أي الشركة الوهمية التي راح ضحيتها ألاف مؤلفة من الشباب المغربي، الذي الذي باع ملابسه، ورهن متاعه أو غرفته، ليتدبر مصاريف التنقل، و "الفيزيت و الكونطر فيزيت" التي كانت تطلبها وزارة التشغيل آنذاك، وتلزمك بالمصحة التي يجب أن تجري فيها المعاينة..! ربما لمصداقية وجودة المصحة! أو ربما لغلائها أو لأنها لأحد المقربين من عباس، على عادة الإخوان الإستقلاليين..!

عباس المغربي، ولا شك، دخل كتاب "غينس" للأرقام القياسية! فهو صاحب الوعد الشهير، وهو يقدم رقما خياليا لعدد مناصب الشغل التي سيخلقها.. بعدما يولى حزبه أو يتولى أو يستولي على الحكومة! التي يجب أن تساءل اليوم: كم شغلت من المعطلين؟! كم شغلت من مغربي دون أن تتخذ من ولائه الحزبي ميزة و محددا للتشغيل بدل الكفاءة و الشهادة والمواطنة..؟!

عباس المغربي غالبا ما يعزف على أوتار الطائر الذهبي، وهو يتحدث عن منجزات ومشاريع ناجحة..معيار نجاحها هو فشلها..! هو فشل مردوديتها وعدم تحقق الأهداف المتوخاة منها، ولنا في "ردارات" عبد الكريم غلاب خير نموذج! ولنا في فشل الحوار الاجتماعي خير شاهد! ولنا في منظومتنا التعليمية المترسبة في قعر التصنيف الدولي و الإفريقي خير دليل..

عباس المغربي هو وارث الحزب الجماهيري المغربي الأول، الذي لا يعرف أجدادنا وجداتنا اسما إلا اسمه، ولا زعيما إلا زعيمه علال الفاسي..! هذا العباس الذي كافئ جماهير المغاربة بكل هذا الزخم من الزيادات المسعورة في الأسعار، وكافئ أولاد المغاربة بكل هاته الحملات التأديبية و التعنيفية لأنهم طالبي حق دستوري و إنساني..!

عباس المغربي، هو الذي لم يتحرك له جنب، وهو يشاهد جثة خمسين مواطنا قضوا شيا كالفئران في فرن روزا مور، ولم يكلف نفسه عناء تحسين وضعية العمال ومراقبة المعامل، وإقرار العدالة الاجتماعية، وهو يشاهد الفيضانات و السيول تجرف الشجر و الحجر و"براريك" و مدارس.. في مناطق نائية، لم يكلف نفسه يوما زيارتها والمطالبة بترميمها وإصلاحها، فكيف ننتظر منه إصلاحات قضائية و دستورية عميقة..؟! 

عباس المغربي، هو ذاك المناضل والمثقف والسياسي الكبير، الذي يخطأ في اسم رئيس الوزراء الإسباني " خوصي لويث رودرغيز ثاباتيرو" ويخلط بينه و بين اسم رئيس الوزراء السابق "خوصي ماريا أزنار"، أمام عشرات العدسات و الصحفيين والمسؤولين في لقاء "رفيع المستوى!" بين الجارين -جغرافيا فقط- عباسنا بخطئه هذا، صار أكثر شهرة، حيث ولج بقوة موقع "اليوتوب" في شريط تحت عنوان " اضحك مع عباس"، ونال اهتمام عدد كبير من متصفحي الويب بين ضاحك معه و ضاحك عليه..!!

عباس المغربي هو ذلك الديمقراطي، الذي من أجل الحصول على الولاية الثالثة للحزب، أبدع مؤتمرا هادئا جدا، لا نعلم كم كانت تكلفته مقابل كل هذه الأطنان من الأسبيرين..! حصل (بالصاد المشددة) على الولاية بديمقراطية عالية، حيث عدل القانون الأساسي لحزبه، وما كان ليتردد لو احتاج إلى استبدال القانون كله و ليس تعديله. وحصل الإجماع على شخصه،ما ينبئ بأزمة قيادة خانقة داخل الحزب ولا واحد من آلاف "المناضلين"، حيث لا أحد رشح نفسه إلى جانبه..؟! وكانت "نعم" بالإجماع لعباس كما كانت نعم للدستور.. كيف يعقل هذا ولو "لا" واحدة طائشة..؟! وكأن الأمر أمر إلهي، أو عبادة واجبة ولو أن المغاربة حتى في العبادات لا يحصل عندهم اجماع..!!

فيا سلام على الديمقراطية التي يقدم لنا فيها شيوخ السياسة، في المغرب دروسا وعبرا و مواعظ دون استحياء! كيف يشيخون المغرب في ظل ملك شاب ؟! ويقدمون نموذجا قاتما لواقع البلاد: بالأمس تم انصهار مجموعة من مكونات المشهد السياسي المغربي في حزب الهمة، ولا حزب ولا هيئة، كلف نفسه مشاورة منظماته الشبابية..! بل لا احد كلف نفسه ان يشرح لهم او حتى يستمع إليهم. بالأمس حاز الشيخ الراضي، إضافة الى منصبه الوزاري أدامه الله له، على أمانة الاتحاد الاشتراكي، الحزب التقدمي اليساري، الذي يمتلأ جوفه حتى القيء بالكلام عن الشباب والديمقراطية، والملكية البرلمانية ومفاهيم لا احد منهم يستوعبها ويقدر على شرحها..! واليوم الشيخ عباس الفاسي، في ولاية ثالثة لحزب لم يعد يوما لكتاب النقد الذاتي،ليمارس نقدا بل انتقادا، لا بل جلدا للذات بسبب ما فعله و يفعله..! ألم ياني للديناصورات والعقليات الجيولوجية، الانتهازية واللا ديمقراطية، أن تنقرض من المغرب؟! عقليات لو خيروا ماذا يأخذون معهم إلى مثواهم الأخير، لاختاروا مقاعدهم البرلمانية ودواوينهم الوزارية وأمانات أحزابهم العامة دونما تفكير او تردد..!! فأولئك اللذين يجرون المغرب إلى الوراء، وإن سلموا من محاكمة الضمير والوطن والوطنية، فإنهم حتما لن يسلموا من محاكم التاريخ، الأكثر عدالة و صرامة، إما أن تدخل الإنسان متحفا بهيا مجيدا للتاريخ، أو ترمي به إلى قعر مزابله...

فهل التاريخ الذي حفظ لنا عنترة وعنترياته، سيحفظ ويذكر لأولادنا وأحفادنا يوما، عباسا وعباسياته..؟!!  

 

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article